ترفيه

الملك لير..رحلة إلى أعماق الإنسان: عرض ملكي بروح معاصرة

على خشبة المسرح القومي، تألق عرض “الملك لير” في تقديم تجربة مسرحية استثنائية أعادت إحياء النص الشكسبيري الكلاسيكي بلمسة حداثية مبهرة. العمل كان بمثابة رحلة مشحونة بالدراما إلى أعماق النفس البشرية، حيث الصراع بين القوة والهشاشة، وبين السلطة والإنسانية.

 

أداء يحيى الفخراني: سيمفونية درامية

يحيى الفخراني، النجم الذي حمل العرض على أكتافه، قدّم أداءً استثنائيًا أعاد تعريف مفهوم التمثيل المسرحي. في كل مشهد، رسم الفخراني شخصية الملك لير بعمق إنساني مؤثر، متنقلًا بسلاسة بين لحظات القوة والانكسار. كان إحساسه بالشخصية عميقًا لدرجة جعلت الجمهور يعيش معاناته، صراعاته، وانهياراته، في أداء يُعد درسًا في التمثيل المسرحي.

 

الرؤية الإخراجية: توازن بين الكلاسيكية والمعاصرة

المخرج شادي سرور استطاع أن يقدّم رؤية إخراجية تتسم بالجرأة والابتكار. جمع العرض بين وفائه للنص الأصلي وبين معالجات بصرية ومعاصرة أضافت أبعادًا جديدة للعمل. نجح سرور في جعل النص الشكسبيري قريبًا من الجمهور المعاصر دون أن يُفقد العمل هيبته الكلاسيكية. كل مشهد كان بمثابة لوحة فنية متكاملة، تعكس تضافر العناصر البصرية والدرامية.

 

السينوغرافيا: عالم بصري آسر

تصميم الديكور من إبداع حمدي عطية كان عنصرًا محوريًا في خلق العالم المسرحي. المشاهد تفردت بخلفيات متحركة وأبعاد رمزية تعكس الصراع الداخلي للشخصيات. الإضاءة التي قدمها محمود الحسيني “كاجو” كانت لغة بصرية بذاتها، تعكس تقلبات المشاعر وتغيرات الزمن في القصة. الموسيقى التصويرية لأحمد الناصر كانت بمثابة رفيق خفي للشخصيات، تكمل الانفعالات وتدفعها للذروة.

الأداء الجماعي: تناغم متناغر

بالإضافة إلى تألق الفخراني، كان الأداء الجماعي لطاقم العمل علامة فارقة. الأدوار المساندة، التي قدمها طارق دسوقي، حسن يوسف، وأمل عبدالله، لم تكن مجرد إضافات جانبية، بل كانت ذات حضور قوي ومؤثر. كل ممثل كان جزءًا من سيمفونية متكاملة، حيث نُسجت الشخصيات بحرفية عالية، مما أضاف توازنًا دراميًا للعمل.

 

الأزياء والاستعراضات: تفاصيل تُثري المشهد

أزياء علا علي أظهرت اهتمامًا بالغًا بالتفاصيل، حيث عكست المراحل المختلفة في رحلة الملك لير. من جانب آخر، جاءت الاستعراضات التي صممها ضياء شفيق لتضيف إيقاعًا حركيًا ديناميكيًا، خاصة في المشاهد الجماعية، مما أضفى بُعدًا احتفاليًا على بعض اللحظات الدرامية.

 

رسالة العرض: سمو المسرح كفن إنساني

“الملك لير” لم يكن مجرد عرض مسرحي، بل كان رسالة تحمل معاني إنسانية عميقة. العرض ناقش بأسلوب درامي متقن مواضيع مثل السلطة، الخيانة، الحب، والغفران، مما جعله تجربة تفوق الترفيه، ليصبح مرآة تعكس طبيعة الإنسان في أقسى حالاته وأكثرها هشاشة.

 

تجربة فنية لا تُنسى

عرض “الملك لير” هو تجربة مسرحية متكاملة تلامس الروح والعقل معًا. من الأداء الفردي المذهل ليحيى الفخراني إلى التناسق الجماعي والرؤية الإخراجية الفريدة، كان العرض شهادة حية على قوة المسرح المصري وقدرته على تقديم أعمال تحمل أبعادًا فنية وفكرية عميقة. إنه عمل يُعيد للجمهور ثقتهم في المسرح كمنبر للفن الراقي والمعنى الإنساني.

زر الذهاب إلى الأعلى